مشخصات فردی و زندگینامه
نام:سید احمد
نام خانوادگی:حسینی اشکوری
تخصص ها:فقه و اصول ، تفسیر

زندگی نامه

من دأب مؤلفی کتب الرجال و التراجم أن یترجموا لأنفسهم فی کتابهم ، و تمشیاً مع هذه العادة کتبت الترجمة الذاتیة هذه على غرار التراجم المدوّنة فی موسوعتی « المفصل فی تراجم الأعلام » لتکون ملحقاً بها ، و قد أودعت کثیراً من المعلومات الخاصة بی و بأعمالی و البیئة التی عشت فیها فی کتابیّ « قصة حیاتی » و « عرض حال » و فی المقابلات الصحفیة و التلفزیونیة التی أجریت معی ، و التی جمعت جملة منها فی کتابی الفارسی « پراکنده‏ها » لمن أراد التوسع و الاستیفاء .

 

 النسب و النسبة :

 السید احمد بن علی بن الحسن بن علی بن تقی بن میر جعفر بن محمد بن میر محمد سعید بن میر سنجر النسامیرکوهی الدیلمی الأصل ابن داود بن حسن بن عماد بن برهان بن حمزة بن قاسم بن مظفر بن موسى بن محسن بن علی بن عبد الرحیم بن عبد الکریم بن عبد اللَّه بن غیاث الدین بن حسین بن میر أدهم بن محمد بن حسام الدین بن أبى الفضل بن ابراهیم صدر الدین بن علی بن محمد بن اسماعیل بن مالک بن محمود بن عبد اللَّه بن الامام محمد الباقر بن علی بن الحسین بن علی بن أبى طالب علیهم السلام ، الحسینی الإشکوری .

 « إشْکَوَر » اسم مقاطعة کبیرة فیها قرى و أریاف کثیرة ، من توابع محافظة جیلان ، فیها مائة و ثلاثون قریة کبیرة و صغیرة و أکثرها جبلیة ذات مناظر طبیعیة خلابة .

 أصلنا من قریة « کِیَارْمِش » من قرى اشکور معروفة ، انتقل منها جدی إلى النجف الأشرف و أقام بها إلى حین وفاته ، و بالنجف ولد والدی و ولدت أنا و انقطعنا عن القریة .

 

 المولد والنشأة :

 ولدت بالنجف الأشرف فی لیلة الثالث عشرة من شهر ربیع الأول سنة 1350 .

 کانت نشأتی کنشأة أبناء الطبقة الثالثة الفاقدین لکثیر من ضروریات الحیاة ، حتى الحلیب فی ثدی أمی قد شح بحیث ألجئت إلى الإستعانة بمن یمکن أن ترضعنی لماماً ، و سبّب ذلک نحافة فی بدنی لازال ملازماً لی حتى کتابة هذه السطور .

 ذهب بی والدی إلى الکُتَّاب وأنا فی نحو التاسعة من عمری ، وکنت قد تعلمت عند بعض النساء أولیات القراءة ، فقرأت فی کتّاب الشیخ علی أکبر القرآن الکریم وگلستان السعدی وبعض کتب التأریخ الدینی والأدعیة والشعر ، ومع أنه کان السیر الدراسی فی هذه الفترة بطیئاً إلا أننی أحرزت التقدم بین التلامذة ، وخاصة فی قراءة القرآن الکریم والخط والإنشاء والإملاء .

 بدأ والدی بتدریسی فی « جامع المقدمات » ، وکان أول ما درّسنی « صرف میر » ، ولکنه لم یستمر فی تدریسی حیث أحال ذلک إلى نسیبنا المرحوم السید نور الدین الکازرونی ، فقرأت عنده « شرح التصریف » و« الهدایة » و« شرح الأنموذج » و« الکبرى » فی المنطق ، ثم رأى والدی أن تکون دراستی عند الشیخ محمد الرشتی ، فقرأت لدیه « الفوائد الصمدیة » و« حاشیة تهذیب المنطق » للیزدی و« شرح الشافیة » للنظام و« البهجة المرضیة » للسیوطی و« شرح الشمسیة » للقطب الرازی . وأعدت قراءة الحاشیة لدى الشیخ کاظم التبریزی حیث درّسها بتوسع وتعمق .

 ودرست « البهجة المرضیة » و« شرح الشمسیة » للمرة الثانیة و« مغنی اللبیب » و« المطول » و« معالم الأصول » عند الشیخ محمد علی المدرس الأفغانی ، ودرست المجلد الأول من «شرح اللمعة » عند الشیخ غلام رضا الباقری الأصبهانی .

 فی هذه الفترة وأنا فی السابع عشرة من عمری ترکت النجف وذهبت إلى بغداد - لأسباب مادیة وعائلیة یطول ذکرها - وأقمت بها أربع سنوات مشتغلاً بالکسب والتجارة ، وقرأت فی اللیالی وأیام العطل لدى الشیخ فاضل اللنکرانی « شرح الباب الحادی عشر » ومقداراً صالحاً من « شرح التجرید » ، واستفدت منه کثیراً فی الأبحاث العقلیة والکلامیة إذ کنت ألازمه فی ساعات الفراغ ویفیض علیّ بما رزقه اللَّه تعالى من العلم الواسع ، وأعدت دراسة المجلد الأول من « شرح اللمعة » عند الشیخ هادی شطیط .

 باحثت فی لیالی شهر رمضان المبارک وبعض الفرص المتقطعة مع الشیخ حامد الواعظی السبزواری کتاب « الأمالی » للشریف المرتضى و« القصائد السبع العلویات » لابن أبی الحدید و« القصائد السبع المعلقة » بشرح الزوزنی ومقداراً من « المقامات » للحریری وما إلى ذلک من الأصول الأدبیة المهمة .

 ثم عدت إلى النجف الأشرف وأقمت بمدرسة الآخوند الخراسانی الوسطى ، واتجهت کلیاً إلى الدرس والبحث والتدریس ، فاستفدت فی مرحلة السطوح العالیة من الشیخ محسن الهراتی والشیخ علی الأخوان الخراسانی والشیخ محمد علی المدرس الأفغانی . وقرأت کتاب « کفایة الأصول » عند الشیخ مجتبى اللنکرانی .

 وتعلمت العروض والقوافی وجانباً من علم الهیئة والفلک لدى الشیخ مرتضى المدرس الجیلانی .

 وبعد هذا رأیت قلة جدوى الدروس العامة الحوزویة لی ، إذ کنت أمیل إلى اختیار عمل یملأ فراغاً و لم یشتغل به - فی حوزاتنا العلمیة آنذاک - الفضلاء و المشتغلون بالتحصیل ، فاتجهت إلى تصحیح الکتب و تحقیق الآثار المخطوطة ، و لذا لم أحضر درساً عاماً إلا المحاضرات التفسیریة التی کان یلقیها سماحة السید أبوالقاسم الخوئی فی لیالی العطل الدراسیة . ولکن استفدت کثیراً فی مجالس خاصة من إفادات الحاج میرزا حسن البجنوردی والسید یحیى المدرسی الیزدی والشیخ مجتبى اللنکرانی و الشیخ میرزا باقر الزنجانی والشیخ میرزا هاشم الآملی ومن إلیهم من أساطین العلم فی الحوزة النجفیة .

 ثم لما هاجرت إلى قم استفدت کثیراً من السید محمد حسین الطباطبائی صاحب « المیزان » ، حیث کانت لنا جلسات أسبوعیة عصر أیام الجمعة ولیالی السبت فی بیت ابن عمه المقدَّس السید حسین القاضی التبریزی ، یحضرها السید الطباطبائی وتلقى فیها مسائل أکثرها فی الفلسفة والعرفان والتفسیر فیفیدنا بأجوبته العلمیة الممتازة .

 کنت فی أیام الدراسة - حسب العادة المتَّبعة فی الحوزة النجفیة - أدرّس على بعض الطلبة المبتدئین کتاب « شرح ابن عقیل » و« تبصرة المتعلمین » و« شرائع الإسلام » ، وبعد الإقامة بقم درّست فی مدرسة سماحة السید الکلبایکانی لمدة سنة و نصف فی الأدب العربی ، ثم ترکت التدریس نهائیاً واتجهت إلى التألیف والأعمال التحقیقیة .

 

 هوایة قراءة الکتب :

 کنت منذ الصغر هاویاً لقراءة الکتب ومایقع تحت یدی من المجلات والنشرات الدوریة ، کثیر المطالعة لها . قرأت فی بدایة التحصیل جملة من کتب والدی - الذی کان یملک کتباً قلیلة أکثرها دراسیة حوزویة - ولم أفهم منها ولا حرفاً واحداً ، وأذکر منها « شرح أصول الکافی » للمولى صدر الدین الشیرازی و« مفاتیح الغیب » له و« شرح دیوان المتنبی » للواحدی و« شرح المنظومة » للسبزواری و « تحفه حکیم مؤمن » فی الطب . کل ذلک لأننی کنت أهوى القراءة ولم أجد کتاباً یساوی مستوای الدراسی .

 اعتدت منذ أوائل أیام اشتغالی بالدراسة أن أقرأ الکتاب من أوله إلى آخره ، إن کان الکتاب علمیاً بحتاً أو أدبیاً أو تأریخیاً أو قصصیاً أو غیر ذلک من الموضوعات المختلفة . استمرت هذه العادة إلى السنوات الأخیرة حیث توسعت مکتبتی وانشغلت بالتحقیق والتألیف والکتابة ، فجعلت طریقتی إلقاء نظرة عجلى على کل ما یتجدَّد لدی من کتاب حتى أعرف ما یحویه إجمالاً وآخذ عنه فکرة فی ذهنی لأرجع إلیه عند الحاجة . وربما أقرأ الکتاب حرفیاً للتسلی أو عندما یکون الموضوع هاماً یستدعی الإستیعاب له .

 لا یمکننی حصر ما قرأت من آثار الکتّاب المعاصرین العرب والفرس والآثار المترجمة إلى العربیة والفارسیة ، فقد قرأت فی أوائل أیام الشباب أکثر آثار الأساتذة المصریین والسوریین واللبنانیین والعراقیین والإیرانیین وأدباء المهجر . بالإضافة إلى الکتب العلمیة التی قرأتها بإمعان واستیعاب لأستفید منها علمیاً وکانت تتصل بالموضوعات التی أحقق فیها .

 السنوات الأربع التی قضیتها ببغداد کانت فترة غنیة فی هذا المجال ، کان بجنب مکتبتی فی « سوق السرای » کتبی یبیع الکتب المقروءة ( استوک ) ، وکنت أستعیر منه المطبوعات المهمة والمجلات والدوریات القدیمة فأقرؤها فی ساعات الفراغ فی المکتبة أو المسکن . اطلعت بهذه الطریقة على مؤلفات ومطبوعات نادرة لم تتیسر عند باعة الکتب وفی المکتبات العامة بالنجف الأشرف .

 إن القراءة المدمنة أکسبتنی مادة دسمة واطلاعاً واسعاً استفدت منها فی أحادیثی العلمیة ، وخاصة عند التحدث إلى الشباب المتعطشین إلى المعارف العامة ، فإننی عندما أسأل عن موضوع ما أتطرق فی الجواب إلى مختلف النظریات والآراء المطروحة فی ذلک الموضوع وآتی بشواهد مما قرأته منذ سنوات قریبة أو بعیدة . وهذا یحبِّب الحدیث إلى نفس السامع ویجعله مقتنعاً أو قریباً من القناعة بما أرتئیه .

 لقد حدثنی صدیق أن بعض کبار الکتّاب نصحه أن یقرأ ألف کتاب من مختلف الثقافات العالمیة إذا أراد مزاولة الکتابة وأحب أن یکون ذا أسلوب رصین محبَّب إلى القراء . . وهذا ما طبقته فی بدایة أمری وإن کنت لا أجد الآن فرصة الإستمرار فی القراءة بهذه التوسعة .

 من الخواطر الباقیة فی ذهنی بصدد شدة تعلقی بالقراءة ، أنقلها هنا تشجیعاً للناشئین فی العلم والقراءة والکتابة : أننی دعیت لتناول الغداء إلى بیت أحد الأقارب فی المشهد الرضوی ، فطلبت من صاحب البیت کتاباً أتسلى به فی فترة الإستراحة ، فجاء بکتاب شیّق فارسی لم أره من ذی قبل ، فأدمت القراءة إلى أوائل اللیل ، ثم استجزت منه وذهبت بالکتاب إلى بیتی ، ولم أضعه من یدی حتى أتممت قراءته قریب المغرب من الیوم الثانی ، لم أنفصل عن القراءة إلا للصلاة والأکل بأقل ما یمکن من الوقت .

 

 فی عالم التألیف والتحقیق :

 سنة 1380 کانت أول تجربتی فی مجال التألیف والتحقیق ، فإننی عندما عدت من بغداد و بدأت بالدراسة فی الحوزة تجنبت صرف الحقوق الشرعیة واکتفیت بالصرف مما کنت وفّرته من عملی التجاری ، وذلک لرأیی فی ضرورة الإجتناب من التصرف فی أموال الفقراء بالقدر المیسور . وبعد مدة نفد ما عندی من المال وألجئت إلى تحصیل ما یعیّشنی بجنب الدراسة وأخذ العلم ، فکان هذا أول سبب دخولی فی مجال التصحیح المطبعی للکتب .

 ممارسة التصحیح المطبعی کانت أحسن موجِّه لی للدخول فی عالم التحقیق والتألیف ، وبالرغم من المشاکل والصعوبات التی اعترضت طریقی لا زلت حتى کتابة هذه السطور سالکاً هذا المسلک مستسهلاً کل مشقة .

 لقد تحدثت مراراً إلى الإخوة وفی بعض المقابلات الصحفیة التی أجریتها وما کتبته فی مقدمة بعض الکتب ، عن ضرورة العمل الجاد لإحیاء التراث الشیعی وإخراج مؤلفات علمائنا الأقدمین بشکل یتناسب ذوق العصر ، وأرى أن تراث الشیعة مظلوم فی عصرنا - کعقیدة الشیعة - لم یلق الإهتمام المناسب به مع مکانته العلمیة الرفیعة ، حتى من جانب الشیعة أنفسهم الذین یتصور بعض قلیلی العلم منهم فقدان ما یمکن أن یسمى بالثقافة الشیعیة المتکاملة فی العصور السابقة . هذه الفکرة الخاطئة ما هی إلا لأننا لم نوفِّر للباحثین المصادر الأولیة التی یجب أن تتوفر لدیهم بالطبع الجید والتوزیع الواسع ، فإن الباحث أول ما یرجع إلیه هو الکتب المطبوعة التی تقع فی متناول یده بالمکتبات العامة أو الخاصة ، أما التی لم تطبع من مصادر عمله فقلما یتجشم عناء الفحص عنها فی فهارس المخطوطات لیجد بغیته ، وحتى إذا تجشم العناء وعلم أن الکتاب الفلانی موجود بمکتبة کذا ، کیف یمکن الحصول علیه والإستفادة منه ؟ !

 أحسست بهذه الحاجة الملحة منذ أوائل عملی فی تحقیق التراث ، وأصبحت أشعر بالضرورة العلمیة للسعی وراء تحقق أکثر ما یمکن من هذا الهدف المقدس الذی کان فی ذلک الوقت فی النجف وقم مهملاً کل الإهمال . من هنا کان أول خطواتی التحقیقیة فی قم مؤسستی « مجمع الذخائر الإسلامیة » ، أسستها فی وقت لم تعرف حوزة قم العلمیة هذا النوع من العمل المفید ، وتعتبر أول مؤسسة بها تخطو هذه الخطوة مع فقدان الإمکانات المالیة وعدم سعة صدر البعض لها .

    * * *

 أما التألیف فلم أمارسه حباً للظهور والشهرة أو إشباعاً لغریزة شهوانیة ، فإن هذه الظواهر الکاذبة تموت و یکون الأثر وحده مقیاساً علمیاً تقاس به شخصیة الإنسان ، فإن کان أصیلاً وضعت أسسه على قواعد متینة یبقى خالداً مع الزمن ممجِّداً لصاحبه ، وإن کان ضئیلاً مستعجَلاً غیر متین الأساس یُنسى بعد حین ویصبح فی خبر کان مهما أثار صاحبه الضوضاء والصخب حوله .

 حاولت فی جمیع ما ألفت و جمعت أن أملأ فراغاً وأسد خللاً ، وکان هذا یتطلب جهداً کبیراً وعملاً جاداً وصبراً طویلاً . کان بإمکانی أن أضع بعض الکتب أمامی وأجمع منها نتفاً مستعجلة وأسمیها بأسامی خلابة وأخرجها للناس بحلل قشیبة وأتبجح بأننی مؤلف لی کذا وکذا کتاب . وهذا ما یصنعه جمع من مؤلفی عصرنا ، فتراهم یخرجون فی فترات قصیرة کتباً لو تسألهم عن موادها لا یعرفونها لأنها جمعت من غیر وعی أو استخدموا من یجمعها باسمهم .

 عند ما یطبع منی کتاب لا أترکه لأصدّر کتاباً باسم جدید ولو کان الموضوع متحداً مع سابقه ، بل أتوسّع فی المطبوع بإلحاق المواد الجدیدة به وإعداده لطبعة ثانیة أو ثالثة مع زیادات وتنقیحات أعثر علیها أثناء مطالعاتی وتنقیباتی . هذه طریقة لا یتسنى لی بها تکثیر عناوین المؤلفات ، وإنما المهم عندی أن تکون المواد مدروسة أکثر وأوسع عند ما یعاد طبع المؤلَّف وتکون الفائدة بها أشمل وأقرب للإطمئنان .

 من باب المثال : کتابی « تراجم الرجال » یحتوی على تراجم ومواد لا توجد فی کتب التراجم بحدود اطلاعی بها ، بل هی مواد جمعتها من القصاصات المبعثرة والکتابات والتواقیع والتملکات المکتوبة على النسخ المخطوطة والإجازات التی کتبها العلماء لتلامذتهم أو المستجیزین منهم . فربما کان المترجَم فی بدایة الأمر مذکوراً فی سطر واحد ، وبمرور الأیام وجدت له معلومات جدیدة أضفتها إلى السطر وتکوّنت منها ترجمة لشخص مغمور لم یعرفه التأریخ وأحیی ذکره وآثاره بهذه الإلتفاتات المتقطعة . طبع الکتاب لأول مرة فی جزء صغیر ، وأعید طبعه فی جزئین بحدود ألف صفحة ، و طبع للمرة الثالثة فی أربعة أجزاء ، و قد أضفت علیه بعد هذه الطبعة کثیراً من المعلومات .

 

 

 فهرسة المخطوطات :

 فهارس المخطوطات مفاتیح لمعرفة تراثنا العلمی القدیم ، بها نستکشف الکنوز المخبأة على الرفوف وفی زوایا مخازن المکتبات ، ومن طریقها یمکن الإطلاع على ما لدى قدمائنا من المؤلفات والتصانیف والجهود الثقافیة الدینیة والأدبیة والإنسانیة . والفهرسة فن قدیم بشکله البدائی ، تناول قدیماً جزءً ضئیلاً جداً من التعریف بالمؤلفات لم یکن مغنیاً للباحثین ، قد تطور فی عصرنا الحاضر وأصبح فناً قائماً بذاته له خصائصه العلمیة والفنیة المحدودة بحدودها .

 کانت حوزاتنا العلمیة بعیدة عن هذا الفن لم یلق فیها رواجاً بالرغم من توفر الکتب المخطوطة فی بیوت العلماء والأسر العلمیة ، وبقینا منقطعین عن آثار السلف إلا عن نسخ معدودة عرف قدرها بعض الأفذاذ وتناولها بالبحث والتنقیب . ولعل بادرة الشیخ آقا بزرک الطهرانی کان أول مجهود واسع لفت الأنظار إلى ما خلفه الأسبقون من الکتب والرسائل والبحوث ، فإنه بموسوعته السائرة « الذریعة إلى تصانیف الشیعة » عرّف العالم العلمی بتراث الشیعة الإمامیة وما لها من الحق الکبیر على الثقافة الإسلامیة فی مختلف المیادین .

 فی بدء اشتغالی بتحقیق الکتب عرفت أهمیة التعرّف على النسخ المخطوطة وضرورة الفحص عنها لاختیار أصح متن یکون الأم عند المقابلة والتصحیح ، والسعی وراء الحصول على النسخ الصحیحة لفت انتباهی إلى ما لفهارس المخطوطات من القیمة البالغة لتوفیر الجهد والإقتصار فی الوقت .

 لهذا اتجهت إلى هذا الفن وخصصت بعض وقتی بفهرسة المخطوطات ، وکان أول أعمالی فی هذا المجال بالنجف الأشرف « فهرس مکتبة الإمام الحکیم » الذی سرقه صدیق وطبع الجزء الأول منه باسمه مع خلط فاضح ، وأوسع فهارسی فی قم « فهرس مکتبة السید المرعشی » الذی طبع منه سبعة وعشرون مجلداً وترکته لأسباب لیس هنا محل ذکرها ، وهو أکبر فهرس فی العالم یکتبه شخص واحد بوحده لمکتبة واحدة .

 لقد دققت فی بدء أمری بالفهرسة - فی جملة من الفهارس العربیة والفارسیة - لمعرفة ما لکل منها من المیزة أو الضعف ، ثم وضعت منهجاً خاصاً للعمل وأسلوباً أحسبه میسَّراً للمستفیدین ، یتلخص فی تعریف کل نسخة أتناولها بالفهرسة فی قسمین متمایزین : القسم الأول وصف الکتاب من الجانب العلمی والتأریخی وتعدید فصوله وأبوابه وذکر من ألف له وتاریخ التألیف وما له من الخصائص التألیفیة ، القسم الثانی وصف النسخة من الجانب الفنی واسم کاتبها وتاریخ نسخها وما فیها من المیزات کالتصحیح والقراءة لدى أحد العلماء والتعالیق والإجازات وما إلیها . کل قسم یطبع بحروف خاصة ، فالأول بحروف أکبر وفی سطور أطول والثانی بحروف أدق وسطور أقصر .

 حاولت فی الفهرسة أن یکون الوصف فی القسمین دقیقاً وبعبارات قلیلة واضحة ، لا أطول الکلام بحشر ما یُخرج الموضوع عن کونه فهرساً کما یفعله بعض المتشدقین لإظهار المقدرة العلمیة ، کما لا اختصر بحیث تقلّ الفائدة أو تنعدم فی معرفة الکتاب والنسخة للباحث والمحقق کما یصنعه بعض المتسرعین الذین دیدنهم العجلة فیما یکتبون .

 إن المنهج الذی خططته لهذا الفن وطبقته بالدرجة الأولى فی فهرس مکتبة السید المرعشی ، أصبح منهجاً رائجاً فی الفهارس الموضوعة للمکتبات العامة بإیران فی السنوات الأخیرة ، وقد صرح بعض المفهرسین باتباعهم المنهج المذکور وبعضهم أغفل ذلک ولم یصرح به . لعله للمنهجة الموصوفة عرّفتنی وزارة الإرشاد الإسلامی بطهران لعنوان « المفهرس النموذجی » ، وقدمت لی جائزة ذهبیة ولوحة تذکاریة فی حفل کبیر بقاعة الوزارة حضره وزیر الإرشاد وجمع من العاملین فی حقل التألیف والنشر ، وذلک فی سنة 1420 ( 1378 ش ) .

    * * *

 بمناسبة ذکر الفهرسة والفهارس ألفت النظر إلى موضوع هام یحسن التحدث عنه :

 إن إیران غنیة بالمخطوطات العربیة والفارسیة ، فیها نسخ نادرة کثیرة قدیمة جداً أو بخطوط مؤلفیها أو تصحیح کبار العلماء ، وقد أصدرت منذ ثمانین سنة حتى الآن أکبر عدد من الفهارس إذا قیست بالبلدان الشرقیة والغربیة ، وکان نشاطها فی هذا المیدان نشاطاً قویاً خاصة فی السنین الثلاثین الأخیرة ، فإننا لا نزال نرى کل شهر مطبوعاً جدیداً بهذا الصدد . لکن فی الدراسات الأکادیمیة والبحوث والتحقیقات العالمیة قلما نجد من تعرض لمخطوطات مکاتب ایران أو رجع إلى فهارسها ، فما هو السبب فی هذا الإهمال والفتور التراثی ؟ !

 لعل السبب الأهم یعود إلى أن الفهارس کتبت کلها بالفارسیة ، واللغة العلمیة الإسلامیة التی کُتب بها أکثر التراث الإسلامی هی اللغة العربیة ، وهی لغة أکثر المسلمین فی العالم ودوّنوا بها ثقافاتهم ، کما أنها اللغة التی تمرس علیها المستشرقون المعنیون بالعلوم الإسلامیة وأممها ، فهی اللغة الأم وبقیة اللغات الشرقیة تأتی فی الدرجة المتأخرة عنها . من هذا المنطلق أهملت الفهارس وقلّت الإستفادة منها ، ولم یشملها البحوث والدراسات التی تکتب خارج إیران .

 سداً لهذا الفراغ وتلافیاً لما فات من التعریف بتراثنا العتید ، بدأت بتنظیم فهرس عام للمخطوطات العربیة الموجودة فی إیران ، وکتجربة أولى أصدرت « التراث العربی فی مکتبة آیة اللَّه المرعشی » فی ستة أجزاء ، وأرسلت نسخاً منه إلى المجامع العلمیة الأروبیة والشرقیة وجمعاً من الأساتذة المعنیین بالمخطوطات لمعرفة آرائهم فی التدوین والتنظیم ، فکانت آراؤهم مؤیدة ومشجعة واستقبلوه وقرظوه بما لم یکن فی الحسبان ، وتشجیعهم دفعنی إلى المزید من الجدّ والنشاط والعنایة الأکثر بالعمل .

 الفهرس العام الکبیر - الذی أشتغل الآن بتصنیفه وقد أنجزت منه قسماً لا بأس به - المسمى « التراث العربی المخطوط فی مکتبات إیران العامة » یتناول الکتاب بالوصف الدقیق الشامل ، ثم النسخ الموجودة منه فی المکتبات العامة حسب تسلسلها التأریخی ، مع الوصف الفنی لها بالمقدار اللازم ، ونرجو أن نعطی للباحثین فی هذا الفهرس أکبر المعلومات للکتب والنسخ فی لحظات یسیرة ، ونوفر علیهم فی الجهد والوقت .

 

 فی رحاب المکتبات :

 لقد وفقت لزیاة کثیر من المکتبات العامة والخاصة فی العراق وإیران و سوریا والحجاز والیمن وبریطانیا وایطالیا وباکستان ، ولم تکن زیارتى لها زیارة سائح یکتفی برؤیة المناظر والمظاهر ، بل زیارة تحقیق وتدقیق فی مخطوطاتها وما یتصل بالتراث الإسلامی ، فحصت ما یُختزن فیها من الذخائر بمقدار الفرصة التی کنت أجدها عند الإقامة فی مدینة ما ولو کانت الإقامة قصیرة . ولا أعلم کم رأیت من الکتب المخطوطة لأننی لم أکن بصدد إحصائها ، إلا أننی أذکر أن سفرة أتیت من العراق إلى إیران فی سنة 1390 طالت ستة أشهر وکانت أکثر إقامتی فی قم وطهران والمشهد الرضوی ویزد وتجولت فی مدن مازندران وجیلان ، رأیت فی هذه السفرة اثنی عشر ألف مخطوطة سجلت عن کثیر منها معلومات کوّنت مادة جانب من مؤلفاتی بهذا الصدد و منها موسوعتی « دلیل المخطوطات » .

 کان أکثر اهتمامی فی هذه الزیارات بالمکتبات الخاصة أو المکتبات العامة الصغیرة الموجودة فی المساجد والمدارس العلمیة ، وذلک لأن المکتبات العامة الکبیرة فیها تنظیم و فهارس مطبوعة أو فی بطاقات معدة لغرض استفادة المراجعین أو سجلت بالکمبیوتر ، وفی کثیر منها أجهزة التصویر للمخطوطات یمکن الإستعانة بها - إلى حد ما - لحصول غرض المحققین . أما المکتبات الخاصة أوالصغیرة ، فلیس لها فهرس مدوَّن فنی ولیس لأکثرها تنظیم ولم تحض بعنایة مالکیها أو القائمین بشؤونها ، بل أکثرها لم یعلم أحد بما فیها من التراث ، بل وجدت بعض المالکین لا علم لهم بما فی حوزتهم من الکتب والنفائس ، لأنها وصلت إلیهم بالإرث من آبائهم وأجدادهم أو اشتروها بغیر وعی تبجحاً بأنهم یملکون مخطوطات .

 العمل فی هذه المکتبات صعب یحتاج إلى وقت طویل و صبر على الدقة والتحقیق والفحص ، فإن کثیراً مما فیها مؤلفات لعلماء عاشوا فی نفس البلدة التی تختزن فیها الکتب وماتوا مغمورین ولم تذکر مؤلفاتهم فی الفهارس حتى یستعین الإنسان بها لمعرفة ما فیها . أعرف شخصاً له وظیفة حکومیة ورث من آبائه جملة من المخطوطات جعلها فی صندوقین وضعا فی سرداب هو مخزن للأثاث ، وقفت على قدمیَّ ثلاث عشرة ساعة متوالیة حتى أراها وأسجل عنها ما أردت من المعلومات ، ذلک لأن المخزن کان مملوءً بالأثاث ولم أجد محلاً للجلوس .

 الطریقة التی أتبعها فی الآونة الأخیرة : أن أضع للکتاب رقماً خاصاً ، ثم أصفه من الجانب العلمی والفنی فی بطاقة ، ثم أکمل المعلومات اللازمة لکل بطاقة عند ما أعود الى مکتبتی فی بیتی ، وبهذا یتکوّن فهرس یخص المکتبة التی زرتها معد للطبع . بهذه الطریقة وضعت فهارس خاصة لجملة من المکتبات أکثرها فارسیة ، وعرّفت کثیراً من المجاهیل المصفوفة على الرفوف ولا یعلم المحققون عنها شیئاً ، وفتحت للباحثین أبواباً کانت موصدة لم تصل إلیها أیدیهم ، یجد القارئ کثیراً مما سجلته عن النسخ فی موسوعتی « دلیل المخطوطات » .